“رمضانيات طنجة الكبرى” تحتفي بأيقونة الفعل الحقوقي بطنجة ” سعاد الشنتوف”
متابعة

التأمت مساء أمس الأربعاء برواق محمد اليوسفي بدار الشباب بطنجة وجوه و شخصيات نضالية مألوفة في العمل الجمعوي للمشاركة في تكريم إحدى أيقونات الفعل الحقوقي بالمغرب، الأستاذة سعاد الشنتوف الرحموني، المرأة التي أصبحت مع مرور السنوات مرادفًا للاجتهاد والنضال الهادئ والمتزن.
بدا واضحا منذ اللحظات الأولى أن هذا اللقاء ليس مجرد فقرة ضمن فعاليات “رمضانيات طنجة الكبرى”، بل محطة اعتراف بمسار طويل رسمته المحتفى بها بعناد وإصرار.
لم يجد عبد الواحد بولعيش، رئيس مؤسسة طنجة الكبرى، العبارات المناسبة لوصف هذه اللحظة.
قال بولعيش بصوت يحمل الكثير من التقدير إن سعاد الشنتوف ليست اختيارًا عاديًا لهذه الأمسية، فهي سليلة أسرة نضالية، “الفرد في صيغة الجماعة”، المرأة التي استطاعت وحدها أن تجمع هذا الحضور النادر. نظراته التي جالت في القاعة أكدت أن حديثه لم يكن مجاملة، بل توصيفًا دقيقًا لحالة استثنائية.
وعلى منصة التقديم، تولت كاميليا بوطمو البقيوي إدارة اللقاء. كلماتها، التي جاءت محملة بالإعجاب، اختزلت مسار الشنتوف بكلمات قليلة: “أياديها البيضاء حاضرة في كل المجالات التي اشتغلت بها لسنوات طويلة”.
وعندما جاء دور المحتفى بها للحديث، بدت كمن يفتح صندوق ذكريات ممتلئا بمشاهد متداخلة، بعضها مفرح، وبعضها لا يزال يحفر أثره في الذاكرة.
نشأت سعاد الشنتوف في بيت حقوقي بطنجة، في أسرة متوسطة. والدها، الموظف الذي انخرط في العمل السياسي حتى تعرض للطرد والنفي، ووالدتها، معلمة الخياطة التي أصرت على مرافقته في كل محطاته.
قالت، بنبرة لم تخلُ من الحنين، إن منزلهم كان دائمًا مفتوحًا لأصحاب التوجه السياسي الواحد، وإن طفولتها كانت مختلفة عن أقرانها: “في 1963، عندما تم نفي والدي إلى ورزازات ثم تازة، أصرت والدتي على مرافقته. كنا نعيش زخمًا مستمرًا داخل أسرة متفاعلة مع الواقع والأحداث”.
توقفت قليلًا، وكأنها تسترجع صورة والدها. قالت إنه كان صديقا، أكثر من كونه أبا، وإن النقاشات داخل المنزل لم تكن تنتهي، حتى عندما كان الخلاف محتدمًا حول قضايا كبرى.
“كنا نرفع شعارات ضد حزبه أحيانًا، لكنه لم يكن يفرض آراءه علينا”، تبتسم وهي تروي كيف كان الحوار مفتوحًا دائمًا، وكيف أن الانضباط كان قانونا في البيت، من ترتيب الشؤون المنزلية إلى التحكم الصارم في أوقات مشاهدة التلفزيون.
شمولية ويخدم جميع الشرائح، دون حسابات حزبية.
أما عن مدونة الأسرة، فتراها معركة لم تُحسم بعد، لأن “البلد الذي فيه تدين استعراضي من السهل أن يتحول إلى ساحة للوصاية على المجتمع”، تضيف أن الخطاب الذي يربط المدونة بتهديد الدين والأسرة يخفي وراءه قضايا أكثر عمقًا يعيشها المواطن يوميًا.
ترى أن قضايا النساء لا تدخل أجندة السياسيين إلا عندما تأتيهم الأوامر، وأن خطاب الكراهية ضدهن ينمو بسبب غياب التأطير الحقيقي.
تعود إلى طنجة، مدينتها الأصلية، لتتحدث عن المرأة والتنمية. ترى أن التمكين القانوني والاقتصادي والسياسي هو المفتاح، وأن غياب هذه العوامل يجعل التنمية مجرد شعار.
تتحدث عن التعاونيات، عن القروض، عن الفوارق التي تعطل مساهمة النساء في الدورة الاقتصادية. تنتقل إلى الإعلام، إلى دوره في خلق وعي حقيقي حول التحرش، الهشاشة، قضايا التغيير الاجتماعي.
تنهي حديثها بابتسامة، لكنها لا تخفي صعوبة الطريق. “النضال ليس مفروشًا بالورود، فيه إحباطات وصدمات”، تقول، قبل أن تشكر كل الذين ساندوها في هذا المسار الطويل.
في القاعة، تتعالى كلمات الثناء من شقيقتها نجاة ومن رفاق دربها. التصفيق يملأ المكان. في عيون الحاضرين، اعتراف مستحق بمسار لم يكن يوما سهلا.