العيساتي يكتب.. وجوه جديدة بالمدينة القديمة
الحسين العيساتي

استجابة لنداء فعاليات مدنية وجمعوية، حج جمع غفير من سكان طنجة والنواحي الى المدينة العتيقة للتضامن مع التجار والصناع والحرفيين ممن تضرروا بسبب توالي سنوات الجائحة، زوار بعضهم الف المدينة وحواريها ومعظمهم كانوا ممن تطأ اقدامهم المكان لاول مرة منذ زمن بعيد فاستحقوا لقب “وجوه جديدة بالمدينة القديمة”، هؤلاء جابوا الدروب والازقة تماما كما يفعل السياح الاجانب، لم يتوقفوا عن استفسار المرشد الطنجاوي الذي يجيب على تساؤلاتهم بشغف متجدد.. نعم لقد اصبح المغاربة يلجؤون لخدمات المرشدين السياحيين بعد ان اصبحت تسعيرتهم في متناول الجميع.
زار المدينة كل اطياف المجتمع تقريبا، يتقدمهم عمدة المدينة و رؤساء المقاطعات الاربع ونوابهم واعضاء مكاتبهم والعديد من المستشارين والنواب البرلمانيين، البعض يقول، وهذا رأيه وحقه، بأن الموضوع لبس لبوسا سياسيا انتخابيا؛ الامر وارد ولكن هذا لا يهم، المهم هو ان تتحرك الامور ويسلط الضوء على شريحة تعاني في صمت قبل المرور الى تسليط نفس الضوء على شريحة اخرى بأسلوب تضامني اخر..
جاء الى المدينة القديمة ايضا اطفال بصحبة اباءهم ممن الفوا زيارة المدن العتيقة في جنوب اسبانيا وفرنسا وتركيا، نفس المآثر والمتاحف والدروب الضيقة تقريبا مع فارق بسيط يتمثل في الاثمنة وفي اللغة، بالمدينة العتيقة لطنجة يتحدث الاطفال لغتهم الام مع الباعة والتجار دونما اضطرار الى استحضار كلمات من قاموس اللغات الاجنبية التي تعلموها بالمدارس للتواصل مع بائع الحلويات اللذيذة والرخيصة ثمنا.
ايام التضامن هذه، والتي ستتواصل في الايام والشهور المقبلة بشكل ربما اقل احتفالية مما هي عليه اليوم، عرفت حضورا مكثفا لرجل الامن وللصحفي، الاول يضمن الامان وهو اكثر ما ينشده الزوار ويسأل عنه السكان، والثاني ينقل الظروف الامنة للعموم لحثهم على الزيارة وتكرار الزيارة؛ وللاثنين دور محوري في نجاح هذه المبادرة التضامنية الفريدة والتي لا شك ستتكرر قي اماكن عديدة بصيغ اخرى.
التجار والصناع والحرفيين كانوا حاضرين طبعا، كيف لا يحضرون والحملة التضامنية تستهدفهم بالاساس، حملة ستعيد النظر لا محالة في كثير من اساليب البيع والتعامل مع الزبون نحو معاملات اكثر رقمنة في المستقبل تضمن المزيد من الشفافية وتخضع لمنطق السوق ومبدأ الربح للطرفين بعيدا عن بعض الممارسات والاحكام الجاهزة و “الستيريوتايب”.
حضر بائع كالاينطي، والمرشد الانيق بلباسه المغربي، والموظف والاجير والمهندس والطبيب والمحامي، حضرت كل شرائح المجتمع و امتلاءت الساحات والمحلات والمقاهي وكأن اليوم عيد؛ وهو عيد بالفعل، عيد التضامن والتآزر ومن يدري ربما يرسم الخامس عشر يناير من كل سنة يوما محليا للتضامن والتآزر.
وسط هذا الحضور الغفير، غابت للاسف الكمامة وغابت معها التدابير الاحترازية في اوقات عودة انتشار العدوى هذه، غياب اذا كان له ما يفسره فإنه من الصعب ان تجد تفسيرا لغياب اخر، والحديث هنا عن غياب رؤية واضحة واستراتيجية متكاملة لاستثمار امثل لمؤهلات هذه المدينة الساحرة وغيرها من مدن المغرب العتيقة، مالذي يمكن فعله كي تستقطب مدننا العتيقة زوارا كما تفعل نضيراتها بدول اوربا واسيا، سؤال محير ربما يحمل في طياته عناصر الاجابة.