محمد سدحي يكتب.. مول الطاكسي !!
بقلم : محمد السدحي

طنجة، هذا الصباح..
الليل راح يمتص ليلييه المعربدين.. والنهار يمد خيوط نشاطه الأولى، ينشر دبيب حركته الدائبة في عروق النهاريين المهرولين إلى الفلاح..
بعد الشقف الخامس من العشبة الغالية، سعل احميدة سعالاً حاداً حتى أيقظ الحي والميت من النوم، خمده بما تبقى من حثالة في كأس الشاي البارد، ثم أكمل الوقفة “خاركاً” طربوشه الصوفي بعد أن زرَّر المعطف “ثلاثة أرباع” المهترئ الذي ابتاعه من “قلب شقلب” سوق “كساباراطا”…
إذا رأيت احْميدة وهو يترجل أمامك، قد يخطر ببالك أنه يتجه صوب أي مكان آخر، إلا أن يكون قاصداً مكتب تسجيل سيارات الأجرة…
طنجة، في زمن مضى..
كانت سياقة سيارة الأجرة امتيازاً لا يطاله سوى المؤهلين..
وكان لِ”مول الطاكسي” همة وشأناً: لباس عمل خاص، وجه حليق بعناية، نظافة، لطافة، ظرافة وأخلاقيات مهنة وأعراف مرعية… ولم تكن رخصة الثقة تمنح لمن هب ودب وأصبح بدون عمل يشغله… وكانت العربات في مستوى الركاب من النساء والرجال والأطفال، من الساكنة والزوار والسياح أيضاً.. ولم يكن الزبناء يحسون بالخوف وهم داخل سيارة الأجرة… ولم يكن تكديس الخلق وإشراكهم في نفس الرحلة كالأنعام لغة يتحدث بها السائقون كما هو حال الجشعين اليوم…
واليوم بالضبط،
قررنا أن نقتفي أثر احميدة وهو يسوق سيارة الأجرة من الصنف الصغير، تحت شعار: الفوضى.
وقف احميدة وسطة زحمة ملتقى طرق “رياض تطوان” يسأل سيدة، عن بعد، إن كانت تسير في الاتجاه الذي يروق له هو. الزمارات من كل جانب، الضجيج سيد الموقف. الحناجر تبح بالسباب واللعنات والدين والملة، واحميدة؟ ولا هو هنا. وكل ما استطاع شرطي المرور أن يفعله حثه على الإسراع من أجل فسح المجال لأسراب السيارات الأخرى… وأخيراً انطلق. قال للراكبة جنبه: أي نوع من الموسيقي تفضلين. أجابت بتأفف: بغيت ذاك الأغنية التي مطلعها: “يا مول الطاكسي عفاك راني زربانة ** يا مول الطاكسي دير سوقة مزيانة”. بلع الريق ثم ضرب الطم…
مائة متر على خط محج محمد السادس، في اتجاه الرباط، وقف أمام جماعة من المنتظرين على قارعة الطريق. لم يرم أقصى اليمين لكي يفسح المجال لمن خلفه. ومرة أخرى تشتغل زمارات السيارات الخلفية. صعد رجلان يبدوان على عجل من شدة التأخر عن موعد العمل. وقبل أن يواصل السير، ذكرهما فيما يشبه التحذير: كل واحد يؤدي ثمن الرحلة على حدة. لم يتلق رداً من الرجلين، وسار يثرثر بما ليس فيه فائدة للراكبين الثلاثة المتعجلين.
وعند أول ملتقى طرق يصادفه أخرج يده اليسرى من نافدة العربة وأشار لمن هم على يساره من أصحاب الأسبقية أن يتوقفوا حتى يمر هو الآمر والأحق بالسبق ضداً على قانون السير وعلى الذي يأتي منه. التزمير والسب والشتم المتبادل كما العادة…
السيدة تحتج على تغيير الاتجاه، واحميدة يصر على الذي في باله، الأسبقية للرجلين في أفق تعويضهما بزبونين آخرين، والسيدة التي كانت سباقة إلى “الطاكسي” مغلوبة على أمرها تنظر إلى الساعة وتحوقل في غلبة من أمرها، وصاحبنا في فوضاه يسْبح بدون حسيب ولا رقيب… وهلمّ عجائباً.
- نلتقي !