صادم.. مرضى الإدمان يجتاحون شوارع طنجة وسط مخاوف من تفاقم الأوضاع
متابعة

بخطى مترنحة وعيون زائغة، يجر أحدهم جسدا أتعبه الإدمان، وسط حيّ “أرض الدولة” التي لم تعد تستيقظ إلا على مشاهد “القطرانة”، و”البوفا”، و”السينيال”. لا أحد يسأله: ما بك؟ فالكل صار معتادا على هذا العرض اليومي الذي صار أكثر رعباً من أفلام الهالوين.
وفي مدينة ما زالت تكنى بـ “طنجة الكبرى”، ينتشر الإدمان اليوم كالنار في الهشيم، مستهدفا أبناء أحياء الهامش أولا، قبل أن يتمدد في الأزقة، والشوارع، والحدائق، وحتى أبواب المدارس.
المخدرات لم تعد تقتصر على “الحشيش” و”القرقوبي”، بل ظهرت موجة جديدة أكثر فتكا، قوامها المواد الطيّارة، وأقراص مجهولة المصدر، وأحيانا حتى مستحضرات تنظيف.
ووسط هذا الواقع، تُكابد حالات عديدة من المدمنين في صمت، لا طلبا للشفاء فقط، بل للنجاة من الجوع، من النوم في العراء، ومن نظرات المجتمع التي ترى فيهم “بشرا فائضين عن الحاجة”.
وقد تفجّرت هذه المعاناة بشكل جماعي قبل أسابيع حين أغلق العشرات من المدمنين شارعا رئيسيا في حي “بئر الشفاء”، احتجاجا على انقطاع دواء “الميثادون” الذي يُوزع عليهم كمادة بديلة تساعدهم على تجاوز مرحلة الإقلاع. تلك الوقفة لم تكن سوى صرخة حياة من فئة تعيش في الهامش الصحي والاجتماعي.
وبينما أعلنت وزارة الصحة لاحقا عن استئناف توزيع الميثادون، فإن الأزمة كشفت هشاشة البنية الصحية المحلية.
وبحسب الدكتور محمد حسون، مدير المستشفى الجهوي “الرازي” للطب النفسي، فإن مدينة طنجة تفتقر بشكل تام إلى الأسرة المخصصة لمرضى الإدمان، مما يجعل عملية العلاج معقدة وغير مكتملة، مشيرا إلى أن أربعة مراكز فقط على مستوى المدينة تتولى توزيع هذا الدواء، في وقت تتزايد فيه الحاجة إلى تدخلات أوسع.
ويؤكد المسؤول الطبي، في تصريحات لجريدة طنجة 24 الالكترونية، أن العلاج الدوائي يظل غير كاف ما لم يُرفق بمواكبة نفسية حقيقية وإعادة تأهيل ممنهجة، مضيفا أن طنجة لا تتوفر على أي مركز متخصص في إعادة الإدماج أو التأهيل النفسي، في وقت لا يتعدى فيه عدد هذه المراكز وطنيا أربع منشآت فقط.
كما نبّه الدكتور حسون، إلى ضرورة توفير أسرة مخصصة للحالات المستعصية أو ذات الميولات العدوانية المرتبطة بالوضعية النفسية، معتبرا أن غياب مثل هذه المرافق يُفرغ العلاج من مضمونه
ورغم أن مستشفى “الرازي” يُعد المؤسسة الوحيدة في شمال المغرب التي تستقبل المرضى النفسيين والمدمنين، إلا أن تقارير رسمية كشفت عن غياب أي نية لتوسيعه أو تحديثه من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.
وأعلنت الوزارة في وقت سابق أن مشروع إنشاء مستشفى جديد بطنجة غير وارد حاليا، فيما تبقى الأشغال الجارية داخل “الرازي” مقتصرة على إصلاحات جزئية تقودها جماعة طنجة بتنسيق مع وزارة الداخلية، دون أن تمسّ جوهر الخصاص الهيكلي في الموارد والمرافق.
وبين هذا الإهمال المؤسسي واستفحال الظاهرة في الشارع، تستمر حالات الإدمان في التصاعد، وسط غياب رؤية شاملة للإدماج والعلاج.
ويزداد القلق من أن يتحول هذا الوضع إلى مأزق بنيوي دائم في مدينة تواجه تحديات اجتماعية متسارعة، دون أن تتوفّر على الحد الأدنى من الوسائل لحماية من تبقّى من أبنائها من السقوط.